الرسول صلى الله عليه وسلم معلمًا
"إن صناعة التعليم هي أشرفُ الصناعات التي يستطيع الإنسانُ أن يحترفها، وإن الغرض من التربية هي الفضيلة والتقرُّب إلى الله"؛ أبو حامد الغزالي.
الحمد لله رب العالمين، له أسلَمْنا، وبه آمنَّا، وعليه توكَّلنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فيعدُّ التعليم مِن أعظم المهامِّ والمِهَن على الإطلاق؛ للعديد مِن الأسباب التي لا تكاد تحصى ولا تُعَد، فهو حاجة مُلِحَّة للفرد وللمجتمع؛ به تهذب السلوكات، وتُضبَط الغرائز والشهوات، وتُنظَّم الحياة.
• ما نلاحظه في أيامنا هذه في بلادنا وفي العالَم يدعو لوجود مُعلَّم ومُربٍّ متميز متفرِّد، أُحسِن إعدادُه وتكوينه قبل أن يسلَّم أقسامًا يُعلِّم أبناءها، أو يُنشِئ أسرةً فيُربِّي أطفالها، فالأمة في حاجة ماسَّة إلى مُعلم مِن الطراز الرفيع، الأمة في حاجة ماسَّة إلى عودة الأخلاق الحسنة، والآداب الرفيعة، والقِيَم العالية، ولن يتحقَّق ذلك إلا بالعودةِ إلى النَّبع الصافي، والدواء الشافي، والعِلم الكافي، إلى التعلم من خير مُعلِّم؛ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم[1]، ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
• وكانت دارُ الأرقم بن أبي الأرقم المدرسةَ الإسلامية الأولى.
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النعمة العظيمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا وعلى الناس أجمعين؛ يقول الله عز وجل: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، أليس مِن واجبنا أن نشكر ربَّ العزة سبحانه على ما تفضَّل وأنعم؟
ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم المعلمَ بُعِث إلينا للهداية والرشاد؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، فوجود رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رحمةٌ وأمان مِن عذاب الله، فإذا ما ذهب الأمان الأول، بقِي الأمان الثاني إلى يوم القيامة؛ ﴿ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، فهذه دعوة إلى الأمة بوجوب التوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي والعودة إلى الله سبحانه وتعالى.
الرسول صلى الله عليه وسلم معلِّمًا:
• يعدُّ كتاب (الرسول المُعلِّم صلى الله عليه وسلم) للشيخ عبدالفتاح أبو غدة - أحسنَ كتابٍ معاصر تحدَّث عن مهمة التعليم التي زاولها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جمع فيه أزيد من أربعين وسيلة من الوسائل التعليمية التي استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه.
إطلاق اسم المعلم على نبينا صلى الله عليه وسلم[2]:
يقول الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله: "إن القرآن الكريم يثبت معلمية رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصٍّ صريح؛ حيث قال الله تعالى في الآية الثانية من سورة الجمعة: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]، كما أثبتَتِ السُّنة النبوية الشريفة هذه الصفةَ والمهمَّة العظيمة مَهمَّة التعليم في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومِن ذلك خرج يومًا على أصحابِه فوجدهم يقرؤون القرآن ويتعلَّمون، فكان مما قال لهم: ((وإنما بُعِثت مُعلمًا))[3]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا وميسِّرًا))[4].
يقول معاوية بن الحَكَم: "ما رأيت معلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه"[5]، وفي رواية أبي داود: "فما رأيت معلمًا قط أرفق مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم"[6].
عن العرب: "هم قومٌ يضرِبون في الصحراء، لا يُؤبَه لهم عدة قرون، فلما جاءهم النبيُّ العربي، أصبحوا قِبلَةَ الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد قلة، وعَزُّوا بعد الذِّلة، ولم يمضِ قرنٌ حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم"؛ الكاتب والمؤرخ الإنجليزي توماس كارليل.
النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معلم:
إننا عندما نُلقي بإطلالة على تاريخ البشرية كلِّها، وبالخصوص على المعلمين الكبار الذين ذاع صِيتُهم في الحاضر والماضي، سواء قبله عليه الصلاة والسلام أو بعده - نجدها مجرد أسماء تتضاءل وتتقلص قُبالة مُعلِّم البشرية رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلا يوجد أيُّ معلِّم أو مربٍّ في التاريخ تخرَّج على يديه عددٌ أوفر وأهدى من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، لقد تخرج على يديه عدد غفير مِن الأصحاب والأتباع، خصوصًا إذا تساءلنا:
كيف كانوا قبله؟ وكيف أصبحوا بعده؟
إن كل واحد منهم دليلٌ ناطق على عظمة هذا المُعلِّم الفريد والأوحد، وكما ذكر الإمام القَرَافيُّ في كتابه الفروق: (لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه، لكفَوه لإثبات نبوته).
ترى الدراسات التربوية أن أفضل طُرُق قياسِ مستوى المعلم تقييمُ طلَّابِه، ولو اعتمدنا هذه الدراسات، لتوصَّلنا إلى أنه صلى الله عليه وسلم أعظم مُربٍّ ومعلم؛ فعن طلابه وتلاميذه قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110].
شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأساليبه التربوية التي يحتاجها كلُّ معلم[7]:
لا ريب أن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقَه العظيمة من الكثرة بمكانٍ، ونعرض هنا للشمائلِ التي يحتاجها كل معلِّم يوَدُّ أن يقتديَ بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مهمَّته التعليمية والتربوية:
1- الحرص على طلب العلم.
2- الحرص على تبليغ العلم.
3- تقدير المعلم والعالم ورفع منزلتهما.
4- وصية النبي صلى الله عليه وسلم بطلاب العلم والرِّفق بهم.
5- العناية بالطفل (الطفل ليس حيوانًا بحاجة إلى ترويض ليصبح أليفًا؛ وإنما هو إنسانٌ له كِيانه المستقل، وعزته وكرامته التي ينبغي أن تصان؛ مصطفى أبو سعد: رخصة القيادة التربوية).
6- الإخلاص لله تعالى.
7- التعليم بالسيرة الحسنة والخُلق العظيم.
8- تعليمُه صلى الله عليه وسلم الشرائعَ بالتدريجِ: عن جُنْدُب بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال: "كُنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فِتْيان حَزَاوِرَةٌ، فتعلَّمنا الإيمان قبل أن نتعلَّم القرآن، ثم تعلَّمنا القرآن، فازدَدْنا به إيمانًا".
9- رِعايتُه صلى الله عليه وسلم في التعليم الاعتدالَ والبُعدَ عن الإملال: وكان صلى الله عليه وسلم يتعهَّد أوقاتَ أصحابه وأحوالَهم في تذكيرهم وتعليمهم؛ لئلا يَمَلُّوا، وكان يُراعِي في ذلك القصدَ والاعتدال.
10- رعايتُه صلى الله عليه وسلم الفروقَ الفردية في المتعلِّمين: وكان صلى الله عليه وسلم شديدَ المراعاة للفُروقِ الفردية بين المتعلِّمين من المُخاطَبين والسائلين، فكان يُخاطِبُ كلَّ واحدٍ بقَدرِ فَهْمِه وبما يُلائِمُ منزلتَه، وكان يُحافِظ على قُلوبِ المبتدِئين، فكان لا يُعلِّمُهم ما يُعلِّم المنتهين، وكان يُجيب كلَّ سائلٍ عن سُؤالِهِ بما يهمُّه ويُناسِبُ حالَه.
11- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالحِوارِ والمُساءَلة: وكان مِن أبرز أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم الحِوارُ والمُساءلةُ، لإثارةِ انتباهِ السامِعين، وتشويقِ نفوسِهم إلى الجوابِ، وحَضِّهم على إعمال الفكر للجوابِ؛ ليكون جوابُ النبي صلى الله عليه وسلم - إذا لم يستطيعوا الإجابة - أقربَ إلى الفهمِ، وأَوقعَ في النفس.
12- تعليمه صلى الله عليه وسلم بالمُحادَثةِ والموازنة العقلية: ومن أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم أنه كان يَسلُك في بعض الأحيان سبيلَ المحاكمةِ العقليةِ على طريقة السؤالِ والاستجواب؛ لقلعِ الباطلِ مِن نفسِ مُستَحسِنه، أو لترسيخ الحقِّ في قلب مُستبعِدِه أو مُستَغرِبهِ.
13- سؤالُه صلى الله عليه وسلم أصحابَه ليَكشِف ذكاءهم ومعرفتهم: وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يَسألُ أصحابَه عن الشيء وهو يَعلَمُه، وإنما يسألُهم ليُثيرَ فِطنَتَهم، ويُحرِّك ذكاءَهم، ويَسقِيَهم العلمَ في قالَب المُحاجاة؛ ليَختَبِر ما عندهم من العلم.
14- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالمُقايَسةِ والتمثيلِ: وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يُقايِسُ لأصحابه الأحكامَ ويُعلِّلُها لهم، إذا اشتبهَتْ عليهم مَسالِكُها، وغَمُضَ عليهم حُكمُها، فيَتَّضِح لهم ما اشتَبَه أمرُه وخَفِيَ فَهْمُه، ويكونُ لهم من تلك المقايَسةِ معرفةٌ بمسالِكِ الشريعة ومقاصِدِها.
15- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالتشبيهِ وضرب الأمثال: وكان صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيانِ يَستَعين على توضيح المعاني التي يُريد بيانَها بضربِ المَثَل، مما يَشْهَدُه الناسُ بأبصارِهم، ويَتَذَوَّقونَه بألسنتِهم، ويَقَع تحت حواسِّهم وفي مُتناوَلِ أيدِيهم، وفي هذه الطريقة تيسيرٌ للفهمِ على المتعلِّم، واستيفاءٌ تامٌّ سريعٌ لإيضاح ما يُعلِّمُه أو يُحذِّرُ منه.
16- استعمال وسائل الإيضاح بأشكالها المتعددة، (بالرسم على الأرض والتراب).
17- ضبط المعلومات بالكتابة (اتخاذُه صلى الله عليه وسلم الكتابةَ وسيلةً في التعليم والتبليغ ونحوهما)، فقد كان له أكثر من خمسةَ عشرَ كاتبًا يكتبون عنه القرآن، وكتَّابٌ آخرون إلى الآفاق والملوك لتبليغ الإسلام والدعوة إليه.
18- جمعه صلى الله عليه وسلم بين القولِ والإشارة في التعليم: وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يَجمَعُ في تعليمه بين البيانِ بالعبارة، والإشارة باليدين الكريمتين؛ توضيحًا للمَرام، وتنبيهًا على أهميةِ ما يذكُره للسامعين أو يُعلِّمُهم إياه.
19- إجابتُه صلى الله عليه وسلم السائلَ عما سأل عنه، أو بأكثرَ مما سأل عنه، أو إلى غير ما سَأَل عنه.
20- تفويضُه صلى الله عليه وسلم الصحابيَّ بالجواب عما سُئِل عنه ليُدرِّبه.
21- امتحانُه صلى الله عليه وسلم العالِمَ بشيءٍ مِن العلم؛ ليقابله بالثناءِ عليه إذا أصاب.
22- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالسكوتِ والإقرارِ على ما حَدَث أمامه.
23- انتِهازُه صلى الله عليه وسلم المناسباتِ العارِضةَ في التعليم.
24- تعليمه صلى الله عليه وسلم بالمُمازَحةِ والمُداعَبة.
25- تأكيدُه صلى الله عليه وسلم التعليم بالقَسَم.
26- تَكرارُه صلى الله عليه وسلم القولَ ثلاثًا لتأكيد مضمونه.
27- إشعارُه صلى الله عليه وسلم بتغيير جلسَتِه وحاله، وتَكرار المقال.
28- إثارتُه صلى الله عليه وسلم انتِباهَ السامع بتَكرار النداء مع تأخير الجواب.
29- إمساكُه صلى الله عليه وسلم بيدِ المُخاطَب أو مَنكِبِه لإثارةِ انتباهِه.
30- إجمالُه صلى الله عليه وسلم الأمر، ثم تفصيلُه؛ ليكونَ أوضحَ وأمكَنَ في الحفظ والفهم.
31- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالوعظ والتذكير.
32- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالترغيب والترهيب.
33- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالقَصَصِ وأخبار الماضين.
34- تمهيده صلى الله عليه وسلم التمهيدَ اللطيف عند تعليم ما قد يُستَحْيَا منه.
35- اكتفاؤه صلى الله عليه وسلم بالتعريض والإشارة في تعليم ما يُستحيا منه.
36- اهتمامُه صلى الله عليه وسلم بتعليم النساء ووعظِهن.
37- غضبُه وتعنيفُه صلى الله عليه وسلم في التعليم إذا اقتضت الحالُ ذلك.
38- أمرُه صلى الله عليه وسلم الصحابةَ بتعلُّم اللغة السُّريانية.
39- التعليم بذاتيتِه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعلِّمًا اختاره الله تعالى لتعليم البشرية دينَ اللهِ تعالى وشريعتَه الخاتمةَ والخالدةَ، وليس في الدنيا أغلى على الله تعالى مِن (دين الله تعالى)، فاختار الله سبحانه لنشرِه وتعليمِه أفضلَ الأنبياء والرُّسُل محمدًا عليه وعليهم أفضلُ الصلاة والسلام.
40- التحذير من العلم الذي لا ينفع:روى مسلمٌ عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)).
41- الرحمة واليسر في التعليم وترك العَنَت:لقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن الرأفة والرحمة، وترك العنت، وحبِّ اليسر، والرفق بالمتعلم، والحرص عليه، وبذل العلم والخير له في كل وقت ومناسبة - بالمكانِ الأسمى، والخُلُق الأعلى، قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128]؛ (أي: يعزُّ عليه الشيء الذي يُعنتُ أمَّتَه ويشق عليها)، ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
أ- الحرص: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، ((يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحبُّ لك ما أحب لنفسي))[8]، ((إنما مَثَلي ومَثَل أمتي، كمَثَل رجل استوقد نارًا فجعَلَت الدوابُّ والفراش يقَعْنَ فيه، فأنا آخذ بحُجُزِكم وأنتم تقتحمون فيه))[9].
ب- الرفق واللطف في التوجيه: ((إن الله رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله))[10].
ج- التواضع.
د- الإجابة عن الأسئلة.
و- التريث في الإجابة عن السؤال، وترك القول بلا علم:
• ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
• سأل جابر بن عبدالله النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يُجِبْني بشيء حتى نزلت آية المواريث[11].
• جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي البلدان شر؟ فقال: ((لا أدري حتى أسأل ربي))، فلما أتاه جبريل عليه السلام قال: ((يا جبريل، أي البلدان شر؟...))[12].
كيفية التعامل مع المُخطِئين والمقصرين:
تقول عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله".
كلمةٌ في ضرب الطفل والمتعلم:
الضرب من منظور عِلْمي - في علوم التربية وعلم النفس التربوي - يأتي في الدرجةِ السبعمائة ضمن الوسائل التربوية، وبشروطٍ، كما أنه تعبيرٌ صارخ عن الفشل في التربية، وهو منهيٌّ عنه شرعًا وقانونًا وتربويًّا؛ لأن الضرب لا يكون إلا لمن نَكْرَهُ، في حين نحن نحب أبناءنا وفِلْذَات كبدنا، وإنما نكره السلوكَ غير السَّويِّ الذي يُزعِجنا، وهو الأَولى بالضرب إن كنا فاعلين.
لمسة وهمسة:
أساليب سلبية يمنع ممارستها للقائد التربويِّ:
1- الصراخ.
2- التأنيب/ واللوم.
3- الأوامر الكيفية.
4- التهديدات.
5- السخرية.
6- الشتم.
7- المقارنة.
8- المبالغة في الوعظ.
9- سوء الظن بالطفل.
10- الاتهام.
11- التجريم.
12- المن.
13- الانتقاد المستمر.
14- التحذير.
15- العقاب والعنف (المنع من الحركة والحبس، إرغام الطفل، ابتزاز الطفل، فرض الرأي الأَبوي مقابل إقصاء آراء الأبناء، التفسير الذاتي لمواقف الأبناء، التهديد).
أقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التأديبَ بالضرب؛ كما في قصة أبي بكر مع غلامه، وقد أضاع بعيره، قال: فطفِق يضربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، ويقول: ((انظروا إلى هذا المُحْرِمِ ما يصنع))[13].
سبَق النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الوسائل التي يتنادى إليها التربويون اليوم، ومن ذلك:
أ- ضربُه صلى الله عليه وسلم الأمثال، وهو كثير؛ منه:
تشبيه المؤمن بالنخلة[14]، والمجتمع بالسفينة[15]، والصاحب السيئ بنافخ الكير[16].
ب- تحفيز الأذهان بالسؤال، وهو كثير؛ منه:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما المفلس؟))[17]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما الغِيبة؟))[18]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون أي يوم هذا؟))[19].
ج- تحفيز الأذهان بذكر معلومة أو خبر لم يُذكر مقدمه أو أوله، وله أمثلة كثر؛ منها:
قال: ((رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف))، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: ((مَن أدرك أبوَيْه عند الكِبَر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة))[20].
وذات مرةٍ قال صلى الله عليه وسلم: ((احضُروا المنبر))، فحضرنا، فلما ارتقى درجة، قال: ((آمين))، فلما ارتقى الدرجة الثانية، قال: ((آمين))، فلما ارتقى الدرجة الثالثة، قال: ((آمين))، فلما نزل قلنا: يا رسول الله، لقد سمِعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعُه[21].
د- قلة الكلام وإعادته ليتمكَّن في قلب السامع:
تقول عائشة رضي الله عنه: "إِنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُحدِّث الحديث لو شاء العادُّ أن يحصيه أحصاه"[22]، ويقول أنس رضي الله عنه: "كان إذا سلَّمَ سلَّم ثلاثًا، وإذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثًا"[23]، وفي رواية أخرى للبخاري، زاد: "حتى تُفهَم عنه"[24].
ماذا قال علماء الغرب ومفكِّروهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
1- قال برتراند راسل - وهو أحد فلاسفة بريطانيا الكبار، والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1950 -:"لقد قرأتُ عن الإسلام ونبيِّ الإسلام، فوجدت أنه دين جاء ليصبح دينَ العالَم والإنسانية، فالتعاليم التي جاء بها محمد، والتي حفل بها كتابه، ما زلنا نبحث ونتعلق بذرَّات منها، وننال أعلى الجوائز من أجلها".
2- وقالت آن بيزينت - في حياة وتعاليم محمد -: "مِن المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم، ويعرف كيف عاش هذا النبي، وكيف علم الناس - إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبيِّ الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس، فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددينِ لهذا المُعلِّم العربي العظيم".
3- وقال كارل ماركس: "هذا النبي افتتح برسالته عصرًا للعلم والنور والمعرفة، حريٌّ أن تُدوَّن أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة، وبما أن هذه التعاليم التي قام بها هي وحي، فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكمًا من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير".
4- ليو تولستوي - من عمالقة الأدب الروسي الروائيين - قال:"سوف تسُودُ شريعة القرآن العالَمَ؛ لتوافُقِها وانسجامها مع العقل والحكمة، وأنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحدُ لتكون آخرُ الرسالاتِ على يديه، وليكون هو أيضًا آخر الأنبياء".
خلاصة[25]:
1- علَّم النبي صلى الله عليه وسلم بوعظِه الذي كان يهزُّ به القلوب، فكأنه منذر جيش يقول: صبَّحكم ومساكم، وكان إذا وعظ علا صوته واشتدَّ غضبه، واحمرَّت عيناه، فلا تسمع إلا بكاءً ونحيبًا، وحنينًا وأنينًا، وتفجُّعًا وتوجعًا، وندمًا وحسرةً، وتوبةً ورجوعًا وإنابةً.
2- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بخُطَبِه القيمة الناجعة في مناسبات العبادات، فكانت فيضًا من الهدى، ونهرًا من النور، تزيد الإيمان وترفع اليقين.
3- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بفتواه مَن سأله، فكان أفقهَ الناس وأعظمهم إجابةً، وأكثرهم إصابة، وأعرَفَهم بما يصلح للسائل.
4- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بوصاياه ونصائحه التي تصل إلى القلوب وتملأ النفوس تقوى وصلاحًا.
5- وعلَّم بضرب الأمثال التي يعرفُها الناس، وتوضيح المعاني بأمور محسوسة تُقرِّب المعنى، وتزيل الإشكال، وترفع الوهم.
6- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بالقَصَص الجذاب الخلاب الذي يثير في النفوس الإعجاب والإنصات والاستجابة.
7- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بالقدوة الحية المتمثلة في سيرته العطرة؛ وأخلاقه السامية؛ وخصاله الجليلة التي أجمَعَ على حُسنِها العقلاء، وأحَبَّها الأتقياء، واقتدى بها الأولياء.
[1] خميس النقيب: الرسول معلمًا؛ شبكة الألوكة.
[2] د. منقذ بن محمود السقار، الرسول معلمًا، صيد الفوائد.
[3] رواه ابن ماجه برقم 229 من حديث عبدالله بن عمرو، وفي سنده ضعف.
[4] رواه مسلم برقم 1478 من حديث جابر.
[5] رواه مسلم برقم 537.
[6] رواه أبو داود برقم 931.
[7] عبدالفتاح أبو غدة: الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم، بتصرف.
[8] رواه مسلم برقم 1826 من حديث أبي ذر.
[9] رواه مسلم برقم 2284 من حديث أبي هريرة، ومثله في البخاري برقم 3427.
[10] رواه البخاري برقم 3276 من حديث أبي هريرة، ومسلم برقم 134.
[11] رواه البخاري برقم 6723 من حديث جابر، ونحوه في مسلم برقم 1616.
[12] رواه أحمد في المسند برقم 16302 من حديث جبير بن مطعم.
[13] رواه أبو داود برقم 1818 من حديث أسماء.
[14] رواه البخاري برقم 61 من حديث ابن عمر.
[15] رواه البخاري برقم 2540 من حديث النعمان بن بشير.
[16] رواه البخاري برقم 5214 من حديث أبي موسى.
[17] رواه مسلم برقم 2581 من حديث أبي هريرة.
[18] رواه مسلم برقم 2589 من حديث أبي هريرة.
[19] رواه البخاري برقم 1654 من حديث أبي بكرة.
[20] رواه مسلم في صحيحه برقم 3551 من حديث أبي هريرة.
[21] رواه الحاكم من حديث كعب بن عجرة.
[22] رواه أبو داود برقم 3654 من حديث عائشة.
[23] رواه البخاري برقم 94.
[24] رواه البخاري برقم 95.
[25] د. الشيخ عائض القرني.
"إن صناعة التعليم هي أشرفُ الصناعات التي يستطيع الإنسانُ أن يحترفها، وإن الغرض من التربية هي الفضيلة والتقرُّب إلى الله"؛ أبو حامد الغزالي.
الحمد لله رب العالمين، له أسلَمْنا، وبه آمنَّا، وعليه توكَّلنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فيعدُّ التعليم مِن أعظم المهامِّ والمِهَن على الإطلاق؛ للعديد مِن الأسباب التي لا تكاد تحصى ولا تُعَد، فهو حاجة مُلِحَّة للفرد وللمجتمع؛ به تهذب السلوكات، وتُضبَط الغرائز والشهوات، وتُنظَّم الحياة.
• ما نلاحظه في أيامنا هذه في بلادنا وفي العالَم يدعو لوجود مُعلَّم ومُربٍّ متميز متفرِّد، أُحسِن إعدادُه وتكوينه قبل أن يسلَّم أقسامًا يُعلِّم أبناءها، أو يُنشِئ أسرةً فيُربِّي أطفالها، فالأمة في حاجة ماسَّة إلى مُعلم مِن الطراز الرفيع، الأمة في حاجة ماسَّة إلى عودة الأخلاق الحسنة، والآداب الرفيعة، والقِيَم العالية، ولن يتحقَّق ذلك إلا بالعودةِ إلى النَّبع الصافي، والدواء الشافي، والعِلم الكافي، إلى التعلم من خير مُعلِّم؛ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم[1]، ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
• وكانت دارُ الأرقم بن أبي الأرقم المدرسةَ الإسلامية الأولى.
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النعمة العظيمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا وعلى الناس أجمعين؛ يقول الله عز وجل: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، أليس مِن واجبنا أن نشكر ربَّ العزة سبحانه على ما تفضَّل وأنعم؟
ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم المعلمَ بُعِث إلينا للهداية والرشاد؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، فوجود رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رحمةٌ وأمان مِن عذاب الله، فإذا ما ذهب الأمان الأول، بقِي الأمان الثاني إلى يوم القيامة؛ ﴿ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، فهذه دعوة إلى الأمة بوجوب التوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي والعودة إلى الله سبحانه وتعالى.
الرسول صلى الله عليه وسلم معلِّمًا:
• يعدُّ كتاب (الرسول المُعلِّم صلى الله عليه وسلم) للشيخ عبدالفتاح أبو غدة - أحسنَ كتابٍ معاصر تحدَّث عن مهمة التعليم التي زاولها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جمع فيه أزيد من أربعين وسيلة من الوسائل التعليمية التي استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه.
إطلاق اسم المعلم على نبينا صلى الله عليه وسلم[2]:
يقول الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله: "إن القرآن الكريم يثبت معلمية رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصٍّ صريح؛ حيث قال الله تعالى في الآية الثانية من سورة الجمعة: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]، كما أثبتَتِ السُّنة النبوية الشريفة هذه الصفةَ والمهمَّة العظيمة مَهمَّة التعليم في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومِن ذلك خرج يومًا على أصحابِه فوجدهم يقرؤون القرآن ويتعلَّمون، فكان مما قال لهم: ((وإنما بُعِثت مُعلمًا))[3]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا وميسِّرًا))[4].
يقول معاوية بن الحَكَم: "ما رأيت معلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه"[5]، وفي رواية أبي داود: "فما رأيت معلمًا قط أرفق مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم"[6].
عن العرب: "هم قومٌ يضرِبون في الصحراء، لا يُؤبَه لهم عدة قرون، فلما جاءهم النبيُّ العربي، أصبحوا قِبلَةَ الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد قلة، وعَزُّوا بعد الذِّلة، ولم يمضِ قرنٌ حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم"؛ الكاتب والمؤرخ الإنجليزي توماس كارليل.
النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معلم:
إننا عندما نُلقي بإطلالة على تاريخ البشرية كلِّها، وبالخصوص على المعلمين الكبار الذين ذاع صِيتُهم في الحاضر والماضي، سواء قبله عليه الصلاة والسلام أو بعده - نجدها مجرد أسماء تتضاءل وتتقلص قُبالة مُعلِّم البشرية رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلا يوجد أيُّ معلِّم أو مربٍّ في التاريخ تخرَّج على يديه عددٌ أوفر وأهدى من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، لقد تخرج على يديه عدد غفير مِن الأصحاب والأتباع، خصوصًا إذا تساءلنا:
كيف كانوا قبله؟ وكيف أصبحوا بعده؟
إن كل واحد منهم دليلٌ ناطق على عظمة هذا المُعلِّم الفريد والأوحد، وكما ذكر الإمام القَرَافيُّ في كتابه الفروق: (لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه، لكفَوه لإثبات نبوته).
ترى الدراسات التربوية أن أفضل طُرُق قياسِ مستوى المعلم تقييمُ طلَّابِه، ولو اعتمدنا هذه الدراسات، لتوصَّلنا إلى أنه صلى الله عليه وسلم أعظم مُربٍّ ومعلم؛ فعن طلابه وتلاميذه قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110].
شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأساليبه التربوية التي يحتاجها كلُّ معلم[7]:
لا ريب أن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقَه العظيمة من الكثرة بمكانٍ، ونعرض هنا للشمائلِ التي يحتاجها كل معلِّم يوَدُّ أن يقتديَ بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مهمَّته التعليمية والتربوية:
1- الحرص على طلب العلم.
2- الحرص على تبليغ العلم.
3- تقدير المعلم والعالم ورفع منزلتهما.
4- وصية النبي صلى الله عليه وسلم بطلاب العلم والرِّفق بهم.
5- العناية بالطفل (الطفل ليس حيوانًا بحاجة إلى ترويض ليصبح أليفًا؛ وإنما هو إنسانٌ له كِيانه المستقل، وعزته وكرامته التي ينبغي أن تصان؛ مصطفى أبو سعد: رخصة القيادة التربوية).
6- الإخلاص لله تعالى.
7- التعليم بالسيرة الحسنة والخُلق العظيم.
8- تعليمُه صلى الله عليه وسلم الشرائعَ بالتدريجِ: عن جُنْدُب بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال: "كُنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فِتْيان حَزَاوِرَةٌ، فتعلَّمنا الإيمان قبل أن نتعلَّم القرآن، ثم تعلَّمنا القرآن، فازدَدْنا به إيمانًا".
9- رِعايتُه صلى الله عليه وسلم في التعليم الاعتدالَ والبُعدَ عن الإملال: وكان صلى الله عليه وسلم يتعهَّد أوقاتَ أصحابه وأحوالَهم في تذكيرهم وتعليمهم؛ لئلا يَمَلُّوا، وكان يُراعِي في ذلك القصدَ والاعتدال.
10- رعايتُه صلى الله عليه وسلم الفروقَ الفردية في المتعلِّمين: وكان صلى الله عليه وسلم شديدَ المراعاة للفُروقِ الفردية بين المتعلِّمين من المُخاطَبين والسائلين، فكان يُخاطِبُ كلَّ واحدٍ بقَدرِ فَهْمِه وبما يُلائِمُ منزلتَه، وكان يُحافِظ على قُلوبِ المبتدِئين، فكان لا يُعلِّمُهم ما يُعلِّم المنتهين، وكان يُجيب كلَّ سائلٍ عن سُؤالِهِ بما يهمُّه ويُناسِبُ حالَه.
11- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالحِوارِ والمُساءَلة: وكان مِن أبرز أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم الحِوارُ والمُساءلةُ، لإثارةِ انتباهِ السامِعين، وتشويقِ نفوسِهم إلى الجوابِ، وحَضِّهم على إعمال الفكر للجوابِ؛ ليكون جوابُ النبي صلى الله عليه وسلم - إذا لم يستطيعوا الإجابة - أقربَ إلى الفهمِ، وأَوقعَ في النفس.
12- تعليمه صلى الله عليه وسلم بالمُحادَثةِ والموازنة العقلية: ومن أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم أنه كان يَسلُك في بعض الأحيان سبيلَ المحاكمةِ العقليةِ على طريقة السؤالِ والاستجواب؛ لقلعِ الباطلِ مِن نفسِ مُستَحسِنه، أو لترسيخ الحقِّ في قلب مُستبعِدِه أو مُستَغرِبهِ.
13- سؤالُه صلى الله عليه وسلم أصحابَه ليَكشِف ذكاءهم ومعرفتهم: وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يَسألُ أصحابَه عن الشيء وهو يَعلَمُه، وإنما يسألُهم ليُثيرَ فِطنَتَهم، ويُحرِّك ذكاءَهم، ويَسقِيَهم العلمَ في قالَب المُحاجاة؛ ليَختَبِر ما عندهم من العلم.
14- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالمُقايَسةِ والتمثيلِ: وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يُقايِسُ لأصحابه الأحكامَ ويُعلِّلُها لهم، إذا اشتبهَتْ عليهم مَسالِكُها، وغَمُضَ عليهم حُكمُها، فيَتَّضِح لهم ما اشتَبَه أمرُه وخَفِيَ فَهْمُه، ويكونُ لهم من تلك المقايَسةِ معرفةٌ بمسالِكِ الشريعة ومقاصِدِها.
15- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالتشبيهِ وضرب الأمثال: وكان صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيانِ يَستَعين على توضيح المعاني التي يُريد بيانَها بضربِ المَثَل، مما يَشْهَدُه الناسُ بأبصارِهم، ويَتَذَوَّقونَه بألسنتِهم، ويَقَع تحت حواسِّهم وفي مُتناوَلِ أيدِيهم، وفي هذه الطريقة تيسيرٌ للفهمِ على المتعلِّم، واستيفاءٌ تامٌّ سريعٌ لإيضاح ما يُعلِّمُه أو يُحذِّرُ منه.
16- استعمال وسائل الإيضاح بأشكالها المتعددة، (بالرسم على الأرض والتراب).
17- ضبط المعلومات بالكتابة (اتخاذُه صلى الله عليه وسلم الكتابةَ وسيلةً في التعليم والتبليغ ونحوهما)، فقد كان له أكثر من خمسةَ عشرَ كاتبًا يكتبون عنه القرآن، وكتَّابٌ آخرون إلى الآفاق والملوك لتبليغ الإسلام والدعوة إليه.
18- جمعه صلى الله عليه وسلم بين القولِ والإشارة في التعليم: وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يَجمَعُ في تعليمه بين البيانِ بالعبارة، والإشارة باليدين الكريمتين؛ توضيحًا للمَرام، وتنبيهًا على أهميةِ ما يذكُره للسامعين أو يُعلِّمُهم إياه.
19- إجابتُه صلى الله عليه وسلم السائلَ عما سأل عنه، أو بأكثرَ مما سأل عنه، أو إلى غير ما سَأَل عنه.
20- تفويضُه صلى الله عليه وسلم الصحابيَّ بالجواب عما سُئِل عنه ليُدرِّبه.
21- امتحانُه صلى الله عليه وسلم العالِمَ بشيءٍ مِن العلم؛ ليقابله بالثناءِ عليه إذا أصاب.
22- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالسكوتِ والإقرارِ على ما حَدَث أمامه.
23- انتِهازُه صلى الله عليه وسلم المناسباتِ العارِضةَ في التعليم.
24- تعليمه صلى الله عليه وسلم بالمُمازَحةِ والمُداعَبة.
25- تأكيدُه صلى الله عليه وسلم التعليم بالقَسَم.
26- تَكرارُه صلى الله عليه وسلم القولَ ثلاثًا لتأكيد مضمونه.
27- إشعارُه صلى الله عليه وسلم بتغيير جلسَتِه وحاله، وتَكرار المقال.
28- إثارتُه صلى الله عليه وسلم انتِباهَ السامع بتَكرار النداء مع تأخير الجواب.
29- إمساكُه صلى الله عليه وسلم بيدِ المُخاطَب أو مَنكِبِه لإثارةِ انتباهِه.
30- إجمالُه صلى الله عليه وسلم الأمر، ثم تفصيلُه؛ ليكونَ أوضحَ وأمكَنَ في الحفظ والفهم.
31- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالوعظ والتذكير.
32- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالترغيب والترهيب.
33- تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالقَصَصِ وأخبار الماضين.
34- تمهيده صلى الله عليه وسلم التمهيدَ اللطيف عند تعليم ما قد يُستَحْيَا منه.
35- اكتفاؤه صلى الله عليه وسلم بالتعريض والإشارة في تعليم ما يُستحيا منه.
36- اهتمامُه صلى الله عليه وسلم بتعليم النساء ووعظِهن.
37- غضبُه وتعنيفُه صلى الله عليه وسلم في التعليم إذا اقتضت الحالُ ذلك.
38- أمرُه صلى الله عليه وسلم الصحابةَ بتعلُّم اللغة السُّريانية.
39- التعليم بذاتيتِه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعلِّمًا اختاره الله تعالى لتعليم البشرية دينَ اللهِ تعالى وشريعتَه الخاتمةَ والخالدةَ، وليس في الدنيا أغلى على الله تعالى مِن (دين الله تعالى)، فاختار الله سبحانه لنشرِه وتعليمِه أفضلَ الأنبياء والرُّسُل محمدًا عليه وعليهم أفضلُ الصلاة والسلام.
40- التحذير من العلم الذي لا ينفع:روى مسلمٌ عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)).
41- الرحمة واليسر في التعليم وترك العَنَت:لقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن الرأفة والرحمة، وترك العنت، وحبِّ اليسر، والرفق بالمتعلم، والحرص عليه، وبذل العلم والخير له في كل وقت ومناسبة - بالمكانِ الأسمى، والخُلُق الأعلى، قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128]؛ (أي: يعزُّ عليه الشيء الذي يُعنتُ أمَّتَه ويشق عليها)، ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
أ- الحرص: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، ((يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحبُّ لك ما أحب لنفسي))[8]، ((إنما مَثَلي ومَثَل أمتي، كمَثَل رجل استوقد نارًا فجعَلَت الدوابُّ والفراش يقَعْنَ فيه، فأنا آخذ بحُجُزِكم وأنتم تقتحمون فيه))[9].
ب- الرفق واللطف في التوجيه: ((إن الله رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله))[10].
ج- التواضع.
د- الإجابة عن الأسئلة.
و- التريث في الإجابة عن السؤال، وترك القول بلا علم:
• ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
• سأل جابر بن عبدالله النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يُجِبْني بشيء حتى نزلت آية المواريث[11].
• جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي البلدان شر؟ فقال: ((لا أدري حتى أسأل ربي))، فلما أتاه جبريل عليه السلام قال: ((يا جبريل، أي البلدان شر؟...))[12].
كيفية التعامل مع المُخطِئين والمقصرين:
تقول عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله".
كلمةٌ في ضرب الطفل والمتعلم:
الضرب من منظور عِلْمي - في علوم التربية وعلم النفس التربوي - يأتي في الدرجةِ السبعمائة ضمن الوسائل التربوية، وبشروطٍ، كما أنه تعبيرٌ صارخ عن الفشل في التربية، وهو منهيٌّ عنه شرعًا وقانونًا وتربويًّا؛ لأن الضرب لا يكون إلا لمن نَكْرَهُ، في حين نحن نحب أبناءنا وفِلْذَات كبدنا، وإنما نكره السلوكَ غير السَّويِّ الذي يُزعِجنا، وهو الأَولى بالضرب إن كنا فاعلين.
لمسة وهمسة:
أساليب سلبية يمنع ممارستها للقائد التربويِّ:
1- الصراخ.
2- التأنيب/ واللوم.
3- الأوامر الكيفية.
4- التهديدات.
5- السخرية.
6- الشتم.
7- المقارنة.
8- المبالغة في الوعظ.
9- سوء الظن بالطفل.
10- الاتهام.
11- التجريم.
12- المن.
13- الانتقاد المستمر.
14- التحذير.
15- العقاب والعنف (المنع من الحركة والحبس، إرغام الطفل، ابتزاز الطفل، فرض الرأي الأَبوي مقابل إقصاء آراء الأبناء، التفسير الذاتي لمواقف الأبناء، التهديد).
أقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التأديبَ بالضرب؛ كما في قصة أبي بكر مع غلامه، وقد أضاع بعيره، قال: فطفِق يضربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، ويقول: ((انظروا إلى هذا المُحْرِمِ ما يصنع))[13].
سبَق النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الوسائل التي يتنادى إليها التربويون اليوم، ومن ذلك:
أ- ضربُه صلى الله عليه وسلم الأمثال، وهو كثير؛ منه:
تشبيه المؤمن بالنخلة[14]، والمجتمع بالسفينة[15]، والصاحب السيئ بنافخ الكير[16].
ب- تحفيز الأذهان بالسؤال، وهو كثير؛ منه:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما المفلس؟))[17]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما الغِيبة؟))[18]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون أي يوم هذا؟))[19].
ج- تحفيز الأذهان بذكر معلومة أو خبر لم يُذكر مقدمه أو أوله، وله أمثلة كثر؛ منها:
قال: ((رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف))، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: ((مَن أدرك أبوَيْه عند الكِبَر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة))[20].
وذات مرةٍ قال صلى الله عليه وسلم: ((احضُروا المنبر))، فحضرنا، فلما ارتقى درجة، قال: ((آمين))، فلما ارتقى الدرجة الثانية، قال: ((آمين))، فلما ارتقى الدرجة الثالثة، قال: ((آمين))، فلما نزل قلنا: يا رسول الله، لقد سمِعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعُه[21].
د- قلة الكلام وإعادته ليتمكَّن في قلب السامع:
تقول عائشة رضي الله عنه: "إِنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُحدِّث الحديث لو شاء العادُّ أن يحصيه أحصاه"[22]، ويقول أنس رضي الله عنه: "كان إذا سلَّمَ سلَّم ثلاثًا، وإذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثًا"[23]، وفي رواية أخرى للبخاري، زاد: "حتى تُفهَم عنه"[24].
ماذا قال علماء الغرب ومفكِّروهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
1- قال برتراند راسل - وهو أحد فلاسفة بريطانيا الكبار، والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1950 -:"لقد قرأتُ عن الإسلام ونبيِّ الإسلام، فوجدت أنه دين جاء ليصبح دينَ العالَم والإنسانية، فالتعاليم التي جاء بها محمد، والتي حفل بها كتابه، ما زلنا نبحث ونتعلق بذرَّات منها، وننال أعلى الجوائز من أجلها".
2- وقالت آن بيزينت - في حياة وتعاليم محمد -: "مِن المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم، ويعرف كيف عاش هذا النبي، وكيف علم الناس - إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبيِّ الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس، فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددينِ لهذا المُعلِّم العربي العظيم".
3- وقال كارل ماركس: "هذا النبي افتتح برسالته عصرًا للعلم والنور والمعرفة، حريٌّ أن تُدوَّن أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة، وبما أن هذه التعاليم التي قام بها هي وحي، فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكمًا من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير".
4- ليو تولستوي - من عمالقة الأدب الروسي الروائيين - قال:"سوف تسُودُ شريعة القرآن العالَمَ؛ لتوافُقِها وانسجامها مع العقل والحكمة، وأنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحدُ لتكون آخرُ الرسالاتِ على يديه، وليكون هو أيضًا آخر الأنبياء".
خلاصة[25]:
1- علَّم النبي صلى الله عليه وسلم بوعظِه الذي كان يهزُّ به القلوب، فكأنه منذر جيش يقول: صبَّحكم ومساكم، وكان إذا وعظ علا صوته واشتدَّ غضبه، واحمرَّت عيناه، فلا تسمع إلا بكاءً ونحيبًا، وحنينًا وأنينًا، وتفجُّعًا وتوجعًا، وندمًا وحسرةً، وتوبةً ورجوعًا وإنابةً.
2- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بخُطَبِه القيمة الناجعة في مناسبات العبادات، فكانت فيضًا من الهدى، ونهرًا من النور، تزيد الإيمان وترفع اليقين.
3- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بفتواه مَن سأله، فكان أفقهَ الناس وأعظمهم إجابةً، وأكثرهم إصابة، وأعرَفَهم بما يصلح للسائل.
4- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بوصاياه ونصائحه التي تصل إلى القلوب وتملأ النفوس تقوى وصلاحًا.
5- وعلَّم بضرب الأمثال التي يعرفُها الناس، وتوضيح المعاني بأمور محسوسة تُقرِّب المعنى، وتزيل الإشكال، وترفع الوهم.
6- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بالقَصَص الجذاب الخلاب الذي يثير في النفوس الإعجاب والإنصات والاستجابة.
7- وعلَّم صلى الله عليه وسلم بالقدوة الحية المتمثلة في سيرته العطرة؛ وأخلاقه السامية؛ وخصاله الجليلة التي أجمَعَ على حُسنِها العقلاء، وأحَبَّها الأتقياء، واقتدى بها الأولياء.
[1] خميس النقيب: الرسول معلمًا؛ شبكة الألوكة.
[2] د. منقذ بن محمود السقار، الرسول معلمًا، صيد الفوائد.
[3] رواه ابن ماجه برقم 229 من حديث عبدالله بن عمرو، وفي سنده ضعف.
[4] رواه مسلم برقم 1478 من حديث جابر.
[5] رواه مسلم برقم 537.
[6] رواه أبو داود برقم 931.
[7] عبدالفتاح أبو غدة: الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم، بتصرف.
[8] رواه مسلم برقم 1826 من حديث أبي ذر.
[9] رواه مسلم برقم 2284 من حديث أبي هريرة، ومثله في البخاري برقم 3427.
[10] رواه البخاري برقم 3276 من حديث أبي هريرة، ومسلم برقم 134.
[11] رواه البخاري برقم 6723 من حديث جابر، ونحوه في مسلم برقم 1616.
[12] رواه أحمد في المسند برقم 16302 من حديث جبير بن مطعم.
[13] رواه أبو داود برقم 1818 من حديث أسماء.
[14] رواه البخاري برقم 61 من حديث ابن عمر.
[15] رواه البخاري برقم 2540 من حديث النعمان بن بشير.
[16] رواه البخاري برقم 5214 من حديث أبي موسى.
[17] رواه مسلم برقم 2581 من حديث أبي هريرة.
[18] رواه مسلم برقم 2589 من حديث أبي هريرة.
[19] رواه البخاري برقم 1654 من حديث أبي بكرة.
[20] رواه مسلم في صحيحه برقم 3551 من حديث أبي هريرة.
[21] رواه الحاكم من حديث كعب بن عجرة.
[22] رواه أبو داود برقم 3654 من حديث عائشة.
[23] رواه البخاري برقم 94.
[24] رواه البخاري برقم 95.
[25] د. الشيخ عائض القرني.