تعريف الضَّرب
يُمكن تعريف الضرب بأنّه أن يُلحق شخصٌ ضَرراً وأذىً بشخصٍ آخر، وعادةً ما يكون أسلوب عقاب يُمارس على الشّخص المُرتكب للعمل الذي يستحقُّ التأديب والعقاب.[١]
يُصنّف ضربُ الزّوجة تحت إطار مفهوم العُنف الأسريّ، والذّي عرّفته الأمم المُتحدّة بأنّه العُنفُ الجسديّ والنّفسي والجنسي والذي يقع ضمن مُحيط الأسرة، ويشمل الضّرب المبرح، وتفضيل الذّكور على الإناث في التّعامل معهم بما يُعرف بالإساءة الجنسيّة للأطفال الإناث، كما يقعُ ضمنه الاغتصاب ضِمن نطاق الزّوجية، والعُنف المُتعلق بالمهر، وقطعُ الأعضاء التناسليّة لجنس الإناث بما يُعرف بالخِتان، وغيره من التصرُّفات المُضرّة بالمرأة[٢].
الأسباب التي تدفع الزّوج لضرب زوجته
هُناك الكثير من الأسباب التي تُخوّل الرجل لضرب زوجته، وهي مُقسّمة وفق المعايير الآتية:
أسباب تتعلق بالزوج
المُعتقدات الخاطئة التي يؤمن بها الرّجل كإيمانه بأحقيته في ضرب زوجته ومشروعيّة الضّرب، ويستند في ذلك على قوله عزّ وجل: (...وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)[٣]
تكمنُ المشكلة في الفهم الخاطئ لهذه الآية الّتي يتمسّك بها البعضُ كدليلٍ وتبرير على كونهم يضربون نساءهم، مُتناسين بذلك المراحل التي تحدّثت عنها الآية من العِظة أولاً والهَجر ثانياً، كما أنّها آيةٌ شرطها الضّرب غير المُبرّح أي الضّرب غير الشّديد، وبأساليب خفيفة كالسِّواك مثلاً، وقد عدّ الشّرع الضّرب المبرح للنساء تجاوزاً، ويُمكن للمرأة بسبب ذلك أن تَطلب من القضاء التفريق بينهما.[٢]
التّنشئة الخاطئة التي تلقّاها الزّوج منذُ صغره من مُحيطه، والتي لم توضّح له أنّ الضّرب أمرٌ غير جائز؛ حيثُ يرى الكثير من النّاس هذا الفعل بكونه فعلاً طبيعيّاً وتلقائياً تابعاً للعلاقة الزوجية، ومن المُحتمل أنّه وقبل زواجه كان قد نشأ ضمن عائلةٍ يضرِبُ الأبُ فيها زوجته وأبناءه، مما يُرسّخ في ذهن الابن بطبيعة الحال أنّ الضّرب أمرٌ طبيعيّ، ويُهيّئه ذلك لممارسة هذا الفعل الذي شاهده مستقبلاً[٢].
العادات المُجتمعيّة البائسة، التي تُرسّخ في عقل الرّجل أنّ ضربه للزوجة يُعدّ إصلاحاً لها، أو أنّه مُتعلّقٌ بمدى الرّجولة لديه وبإثبات شخصيّته وهَيبته، أو أنّ مُمارسة الضّرب يُطوِّع المرأة أكثر ويجعلها تنفذ الأوامر بكل سلاسة[٢].
شعور الرّجل بالرغبة في تفريغ انفعالاته التي مرّ بها خلال مَسيرته اليوميّة؛ كضغطِ العمل والغضب، والغيرة، ممّا يجعله يُقدم على إطاحة هذه المشاعر وتفريغها في علاقته مع زوجته بالضّرب[٢].
كثرة الهموم والمشاكل التي يُعاني منها الزوج، ومنها الضيق الاقتصادي الذي يُمكن أن يُعاني منه الزّوج جراء الفقر والبطالة، وكثرة الديون وصعوبة تسديدها ممّا يَزيد الهموم على الزّوج ويُشعره بالعجز، ومنها كذلك الاضطِرابات النفسيّة التي تجعلُ الرّجل في حالة خُروجٍ عن طورِه المُعتاد، ومنها أيضاً المَشاكل والهموم الاجتماعيّة التي تزيد من شعلة الاضطراب بين الزّوجين مما يُسبّب استعمال الرجل لوسائل إثبات ذاته بالضّرب والعُنف[٢].
انعكاس ما تعرِضه الشاشات ووسائل الإعلام المُختلفة من مواد تُعزّز العُنف وتُشجّعه على نفسية الرّجل وتأثره بها، كأن يُشاهد الرّجل موادَ إباحية تجعله يسعى لتطبيق ما شاهده على زوجته، وأن يُشاهد كذلك مواداً تخصُّ القتل والخطف والاغتصاب[٢].
تناولُ الزّوج للمُحرمات والمُسكرات كالمُخدّرات والخمر، ممّا يُفقده وعيه وعقله، فيُضطره ذلك لأن يُمارس ممارساتٍ بعيدةً كل البُعد عن المنطق، فيضرب زوجته ويضُرّها[٤].
اختيار الزّوج لزوجته ضمن إلزامات مُجتمعيّة ممّن حوله، فيتزوّجها وهو كارهٌ لها، ممّا يقوده للتصرّف معها بقسوة وعنفٍ لإبعادها عنه وتنفيرها منه حتّى تطلب منه الطّلاق[٤].
أسباب تتعلّق بالزوجة
يتناسى كثيرٌ من النّاس في قضايا ضرب الزّوجة ما يَتعلّق بالواجبات المنوطة بالمرأة تجاه بيتها وزوجها والتي قد تُعرِّض المرأة نفسها لاحتمالية تلقيّ العُنف جراء جهلها بهذه الواجبات، ويُركّزون دائماً على حقوقها التي استُبيحت، وهُناك مجموعةٌ من الأسباب التي تتعلّق بالزوجة والتي تُعرّضها لاحتمالية تلقّي الضّرب من الزوج، ومنها[٢]:
عدم معرفتها بالأحكام والمُقتضيات الشّرعية؛ حيثُ لا تقتصر على قضايا العبادات كالصلاة والصّوم، إنّما تتجاوزها لقضايا تتعلق بالواجبات المنوطة بها تجاه زوجها وبيتها، كحفظه في ماله، وولده، وعرضه، وتلبية احتياجاته العاطفيّة والجنسيّة إذا لم يوجد ما يمنعه من موانع شرعيّة كالحيض والصّوم مثلاً، أو موانع تتعلّق بالمرأة كالتّعب والمرض.
تقليل الزّوجة من قيمة زوجها وشأنه، والاستهانة به، وبرجولته، وتهميشه، وتحقير مبادئه وأفكاره، وانتقاد سلوكيّاته، لا سيّما إذا حصل ذلك على مرأى من الناس، مما يُقلّل من احترام الرّجل لدى الناس، ويُشعر الزّوج بالإهانة والدّونية، ممّا قد يَدفعه للانتقام من زوجته بأساليب قاسية وعنيفة لاسترداد كرامته.
المُعتقدات الخاطئة التي تحملُ الزّوجة على التصّرف بعنادٍ ونديّة مُعتقدةً أنّها بذلك تُثبت استقلاليّتها وتُحقّق ذاتها وتُحرّرها، ممّا قد يجعلُ الزّوج ناقماً ويَسعى للردّ على ما تدّعيه وتقوله بأساليب عنيفة.
تصرُّف الزّوجة بغير علم زوجها: يُحبّ الرّجل أن تستشيره زوجته في أعمالها وتصرُّفاتها، وقد يؤدّي عدم علم الزّوج ببعض هذه الأمور باعتبار الزّوجة قد خرجت عن طاعته، فيدفعه ذلك لضربها[٤].
ضربُ الزّوجة للزوج: قد تكون المرأة تحملُ صفاتٍ مُسترجلة تدفعها لضربِ زوجها بشكل مُتكرّر مما يدفعه بردّ ضربها له بشكل عنيف وقاسٍ للحفاظ على صورته ورجولته أو لغاية ردعها[٤].
تحلّي الزوجة ببعض الصِّفات غير الجيّدة، كمُعاملة أهل الزّوج بطريقة سيئة[٤].
يجبُ أنْ يتذكر كلا الزّوجين في نهاية المَطاف أنّ الله جعل العلاقة بينهما أساسها الودُّ والرّحمة والسكينة، لا الضّرب والعُنف والعناد والقسوة، مصداقاً لقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[٥]
نظرة الإسلام لضرب الزوجة
اهتمّت الشريعة الإسلاميّة بالعلاقة الزوجية، وشَرعت العديد من الأحكام لحفظِها، وإرساء دعائمها، وإقامة بنيانها، وقد أتت على الأحكام التي تخصُّ أمور الشقاق والخلاف بين الزوجين؛ فقد حرّم الله تعالى على عموم الناس التعدّي والظُّلم، فكيف الحال إنْ كان بين زوجين بينهما علاقةٌ مقدّسة، فضربُ الزّوجة بلا وجه حق يُعدّ اعتداءً وأذية وظلم لها، لأنّ من حقّها أن تُعامل بالمعروف؛[٦] فقد قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)[٧]
حرّم الله تعالى كذلك على الرَّجل إبقاء عصمته على زوجته لأجل ضرّها وأذيّتها، وعدّ ذلك اعتداءً، في قوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[٨]
من الجدير ذكره أنّ طاعة المرأة لزوجها واجبٌ من الواجبات التي أقرّتها الشريعة الإسلامية، فإذا خرجت عن طاعة زوجها عصياناً وتمرُّداً بلا وجه حقّ، فقد أقرّ الشّرع عدّة أمور لعلاج المُشكلة ليس أولّها الضّرب، وهذه الأمور هي[٦]:
الإرشاد والنُّصح: ذلك بأنْ يُبيّن الزّوج لزوجته وينصحها بأنّ طاعته واجبة، ويُذكّرها بما شرعه الله له ولها من حقوق، برفقٍ ولين، وزجرٍ وحزم حسب الظرف والمقام.
الهجر: إنْ فشلت الخطوة الأولى ولم تستجب المرأة لنصح زوجها، فقد أحلّ الشرع للزوج هجرَ زوجته في الفراش، ليُوضّح لها عدم رضاه عنها واستيائه من تعاملها.
الضّرب التأديبي: إنْ فشلت الخطوتان السابقتان، وحاول الزّوج جهده ولم يجد نتيجةً مرضية، فله أن يضربها ضرباً تأديبياً بشرط أن يُراعي عدّة أمور، هي:
أن لا يضربها ضرباً مبرحاً، ومعناه الضّرب الشديد، إنّما يضربها للتأنيب ضرباً ليس فيه أذية ومضرّة.
أن لا يكون الضّرب على وجهها.
أن لا يُطلق عليها قبيح الكلمات ولا يشتمها.
أن يتذكّر أثناء هذه الخطوة أنّ الغاية من هذه الوسيلة إصلاحها لا الانتقام والثأر منها.
أن يُنهي هذه الوسيلة حال تحقّق المطلوب.
بيّن الله تعالى الطريقة الصحيحة لتعامل الزوج مع زوجته حال نشوزها في قوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، [٩] وقد أكّد الرسول الكريم على ذلك، فقال في حجة الوداع: (أَلَا واستَوْصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنما هُنّ عَوَانٌ عندكم، ليس تملكونَ منهن شيئًا غيرَ ذلك، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَّةٍ مُبَيِّنَةٍ، فإن فَعَلْنَ فاهجُروهن في المَضاجِعِ، واضرِبوهن ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، فإن أَطَعْنَكم ، فلا تَبْغُوا عليهِن سبيلًا ، أَلَا وإنَّ لكم على نسائِكم حقًّا ، ولنسائِكم عليكم حقًّا)